Ticker

6/recent/ticker-posts

Header Ads Widget

أزمة الإسلام والعالم الاسلامي من وجهة نظر غربية (1)

أزمة الإسلام والعالم الاسلامي من وجهة نظر غربية (1)
أمل فؤاد عبيد

يعرض لنا خبير الشرق الأوسط المشهور بيرنارد لويس مشكلة من أم المشاكل الخاصة بالعلاقة بين الإسلام أو العالم الإسلامي والحداثة في الشرق الأوسط .. ويتساءل إن كان هناك إمكان للسلام في الشرق الأوسط ؟ ولماذا هي الصعوبة الكبيرة في إنهاء النزاع في العالم الإسلامي والذي استمر لعدة قرون ؟ وكيف كان ارتفاع التطرف الإسلامي مؤثرا على فرص السلام في منطقة الشرق الأوسط وهي أكثر المناطق اضطرابا من وجهة نظر الكاتب ؟ كما يحاول فحص الأسباب المباشرة لتغير الأشياء ولماذا ؟ خاصة بعدما بدأت تواجه الانتصارات الدبلوماسية والصناعية للعالم الغربي ثقافة دينية متحمسة أو متشددة ؟


وفي كتابه " ماذا حدث من خطأ " What went wrong " يطرح الكاتب رؤية للعالم الإسلامي منذ عدة قرون مضت عندما كان العالم الإسلامي في المقدمة وله الصدارة في الإنجازات الإنسانية إذ أنه كان يمثل القوة الاقتصادية الأولى في العالم ، إلى جانب قوته العسكرية وجيشه القوي .. كما كان الزعيم والقائد الأول في مجال الفنون وعلوم الحضارة في وقت كانت فيه أوروبا المسيحية التي تقع ما بعد الحدود الشمالية الغربية للعالم الإسلامي ترزخ في ظلام دامس من الهمجية والشك .. ولم يكن هناك ما يمكن أن يثير الفضول في التعلم .. ولكن بعد كل ذلك كل شئ قد تغير .. وبعد أن كان الغرب محتقرا في سابق عهده أخذ يحقق نصرا بعد نصر أولا في المجال العسكري ثم في مجال السوق .. ثم تقريبا في كل سمة من سمات الحياة الخاصة والعامة .. وبعد أن كان العالم الإسلامي يمثل حضارة العالم المهيمنة لعدة قرون مضت أصبح العالم الإسلامي حزينا جدا ويبحث عن سر نجاح الغرب .. مع ازدياد الشعور بالإحباط والإذلال المتزايد والاستياء .. وأصبح هذا الإحباط والتشويش والغضب التربة الخصبة لكثير من المجموعات الإرهابية مثل شبكة القاعدة وممثلها أسامة بن لادن .. من هنا يأخذ برنارد لويس مهمة الكشف عن أسباب هذا التغير البين .. وكيف أنه بعد أن كان العالم الإسلامي في القمة أخذ تراجعه وتخلفه في ازدياد حتى بات تحت سيطرة الغرب .. ليقدم لن تحليل نقدي لثقافة العالم الإسلامي في أجوائه المضطربة .. وكيف أن العالم الإسلامي قد تحول انتباهه إلى فهم واستيعاب الأسلحة الأوروبية والوسائل العسكرية والتجارة والصناعة والسياسة الدبلوماسية والتربية والثقافة .. وهذا التحليل كان مدخلا مشروعا لتقديم مقارنات مثيرة للفكر لاستخلاص أهم الاختلافات المميزة بين الثقافات الغربية والشرق أوسطية .. وذلك من خلال عقد مقارنات بين كل من : الإسلام والمسيحية ، الموسيقى والفنون ، مكانة المرأة في كل من الثقافتين ، العلمانية والمجتمع المدني الساعة والتقويم أيضا .

وفي كتابه هذا نجد أن بيرنارد لويس يقدم لنا قصة ظهور العصبيات إلى جانب تحليل للعلاقات التاريخية بين الشرق الأوسط وأوروبا ..حيث أن أهم موضوعاته الأثيرة هو الحضارة الإسلامية التي كانت في ويم من الأيام مزدهرة ومتسامحة ثم أصبحت في الأزمنة الحديثة راكدة ومتقلبة .. وهو ما أدى ، كما يؤكد ، الى وجود بحث عقلي يستحق الاعتبار بيم المسلمين أنفسهم الذين أخذوا يسألون أنفسهم ماذا حدث من خطأ ؟

وفي أحيان كثيرة يذكر الكاتب أو يقرر صراحة أن هناك بحث انتقادي خطير في مصادر الضعف الاقتصادي في الحضارة الإسلامية .. وأحيانا أخرى نجده يقول : " وبدلا من النظر في المرآة أخذ المسلمون يرمون بأسباب مشاكلهم على الأوروبيين أو اليهود وهكذا وبهذا أخذوا يغذون إحساسهم بوقوعهم كضحايا " وهذا بعكس ما كانت عليه أحوال المسلمين والحضارات الإسلامية في العصور الوسطى .. إذ أخذ برنارد لويس يعرض لما لهذه الحضارة من فضل في نشر الأفكار العلمية داخل أوروبا ..
من خلال عرض أمثلة براقة لكثير من الأطباء والفلكيين المسلمين ما بين القرن الثالث عشر والخامس عشر .. ليقوم بعدها بعقد مقارنات ما بين تلك العصور والعصور الحديثة حيث عكست الأدوار .. ولكن في ذات الوقت يترك القارئ يواجه حيرة كبيرة في تحديد ماهية الأسباب التي ظهرت ما بين القرن الخامس عشر والقرن العشرين وكانت سببا في التبديل .

كما أننا نلاحظ أن الكاتب في هذا الكتاب يطرح من الأسئلة أكثر مما يقدم من أجوبة .. إلى جانب أنه يسقط تأثير القرارات المختلفة التي اتخذت من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية والأمريكية ومالها من تأثير سلبي على تنمية مجتمع سياسي ديمقراطي واقتصاد قابل للنماء والاستمرار في الشرق الأوسط .
وفي مجمل كتبه كان لويس يؤكد دوما على أن العالم الإسلامي منذ بداياته الأولى في القرن السابع كانت تمثل حضارته القوة الهامة في العالم .. كما كان زعيما في العلوم الإنسانية والفنون والعلوم ..
بينما كانت أوروبا لا تزال في ظلامها النسبي تتوحل في الحروب المميتة والعصبية الدينية .. كما يؤكد على أن العالم الإسلامي كان مسئولا بشكل كبير عن حفظ ونقل وإرسال الثقافة والمنح العلمية اليونانية والغربية إلى أوروبا المسيحية ولكن تلك الحضارة الإسلامية قد اندثرت نهائيا مع انجازات المسيحية الأوروبية وقد وقع العالم الإسلامي تحت الهيمنة المباشرة أو غير المباشرة للغرب .

أما في كتابه الثاني وهو " أزمة الإسلام ما بين الجهاد المقدس والإرهاب السيئ " والذي نشر بتاريخ مارس 2003 فنجده يبحث عن الأصول اللاهوتية للفكر السياسي الإسلامي ويأخذنا إلى فترة ظهور الإسلام العسكري أو الفدائي في إيران ومصر والعربية السعودية .. كما يفحص تأثير التحول في الفكر الوهابي الجذري أو الأصولي وأموال النفط السعودية على بقية العالم الإسلامي .ويرى الكاتب أن أزمة العالم الإسلامي تمتد على نحو واسع منذ القرن السابع حتى القرن العشرين .. أي خلال مدة زمنية تعادل ثلاثة عشر قرنا من الزمان .. إلا أنه يركز بشكل خاص على القرن العشرين وما حدث فيها من أحداث رئيسية أدت إلى مجابهات عنيفة اليوم منها : إنشاء دولة إسرائيل ، الحرب الباردة ، الثورة الإيرانية ، هزيمة السوفييت في أفغانستان ، حرب الخليج ، وهجمات سبتمبر في الحادي عشر على الولايات المتحدة ..
فعلى الرغم من أن عداء العالم الإسلامي نحو الغرب له تاريخ طويل ومنتشر في أراضي الإسلام ..إلا أن الكاتب يركز على المرحلة الحديثة أو المعاصرة أو بمعنى أصح أمريكا الجديدة .

كما يعرض لهذه الطائفة من العمليات الانتحارية والتي تفسر وشكل مبدع التيارات المتناقضة للتاريخ الشرق أوسطي من خلال خطابات معالجينه .

إن بيرنارد لويس يقدم لنا محاولة لفهم الأسباب التي وراء هذا التناقض الدوغمائي جدا للحداثة ( من وجهة نظره ) من قبل الكثير من المسلمين الذي يرون في العودة للماضي المقدس هو في صالح العالم الإسلامي ومن ثم واجب رفض الحداثة .

ويرى البعض أن قراءة كتاب " أزمة الإسلام هي ضرورية لأي أحد يريد معرفة ما يمثله أسامة بن لادن ولماذا تحتل رسالته القاتلة هذا الرنين على نحو واسع جدا في العالم الإسلامي .

ويبدو أن الكاتب برنارد لويس في هذا الكتاب شامل المعرفة التاريخية والكتابة التاريخية والتشريع وعادات المجتمع الإسلامي في الشرق الأوسط .. مما جعل الكتاب " أزمة الإسلام " غنيا بالبيان ودليلا على سعة اطلاع الكاتب وهو الشئ الذي أصبح معه معروفا ومستحسنا لدى القراء وحتى النقاد .

ففي هذا الكتاب يفحص برنارد لويس الأصول الدينية للإرهاب ويأخذ القارئ الى القرون الثلاثة عشر هي تاريخ الإسلام ويستكشف أحداث تؤدي الى الإرهاب في القرن الواحد والعشرون .. ويعتبر متابعة لكتابه الأكثر رواجا " ما حدث من خطأ ".

ويتضمن الكتاب 184 صفحة ويشمل على أربعة خرائط تظهر توسع الإسلام في الشرق الأوسط منذ عام 622 ميلادية إلى الوقت الحاضر .

إن أطروحة لويس الأساسية هي أن الإسلام الحالي ونزاعه مع الولايات المتحدة ليست بالظاهرة الأخيرة أو الجديدة .. وليست بسبب إسرائيل أو عن إسرائيل .. بالنسبة للمسلمين أمثال أسامة بن لادن فإن الحرب ضد أرض الكافرين مسألة دينية أو ذات أساس ديني .. وعلى الرغم من تصريح الرئيس بوش أن الإسلام هو دين سلام .. يوضح لويس عكس ذلك .. إن كراهية الشرق الأوسط المتزايدة للغرب تتحدى العديد من افتراضات الأمريكان الذي تحيروا في أمر هذه الكراهية وربما تكون دائرة حول الإسلام .. ويعرض لويس أن الأمريكان مشوشون بسبب هذا الشعور السام لأن مستواهم العام في المعرفة التاريخية مستوى رديء جدا .. كما أن المسلمين معروفين بتاريخهم : من هم ؟ من أين جاؤوا ؟ ويدركون ما هو هدف الله من حياتهم .
ويقول لويس : " بالنسبة لأسامة بن لادن فإن إعلانه الحرب ضد الولايات المتحدة يعطي مؤشرا باستئناف الكفاح أو الجهاد للهيمنة الدينية من العالم الذي كان قد بدأ في القرن السابع .

فعلى سبيل المثال .. بالنسبة للشرق الأوسط فإن الرئيس بوش يمثل في الحقيقة ورث أو خليفة لصف طويل من الحكام الأباطرة البيزنطيين في القسطنطينية .. أو الأباطرة الرومان المقدسون في فيينا .. أو الملكة فيكتوريا .. أو استعماريون أوروبيون آخرون .. وبدون فهم واستيعاب هذا التاريخ بالنسبة لأتباع الإسلام .. وكيف يجب أن يكون التاريخ مهما بأمريكان فإن التشويش سيستمر .

وبأسلوب جذاب يتتبع لويس تطور الإسلام منذ سيدنا محمد (ص) في القرن السابع في بلاد العرب .. إلى حكم الخلفاء الراشدين .. الذين ترعرع معهم الإسلام وأصبح دينا عالميا خلال قرن من الزمان .. ونجده يكرس فصلا كاملا يتحدث فيه عن تأثير الثروة النفطية في انتشار الحركة الوهابية وكيف أنها طائفة أوصولية متعصبة وصارمة وعنيفة تأسست في العربية السعودية .. وكيف استطاع الوهابيون أو يوسعوا أو ينشروا نسختهم الإسلامية على مستوى عالمي وذلك بمساعدة أموال النفط السعودية والطاقة في الشرق الأوسط . ويؤكد لويس على أن هذه الطائفة كانت ستبقى جناح معزول أو ما كان لها أن تنتشر وتقوى دون الثروة النفطية .. وهي الإشكالية التي تؤدي بنا إلى أسئلة مثيرة حول ماهية تحالف أمريكا الحالي مع السعودية العربية .

وفي فصل ( دار الحرب ) نجده يصف القاعدة اللاهوتية أو الدينية لفكرتي الجهاد والاستشهاد .. وكيف أن بعض الأصوليين قد عملوا على تحريفها لتبرير الإرهاب .. وكذلك المعايير المزدوجة التي تتعامل بها العلاقات الأمريكية الدينية مع مستبدي الشرق الأوسط .

على أن كلمة جهاد كما يقول الكاتب تستخدم غالبا من قبل الإرهابيين يسلطون غضبهم علينا وهي تدل إما على كفاح مسلح أو على اجتهاد أخلاقي ( وفي أغلب أو معظم التاريخ الإسلامي فإن كلمة جهاد كانت تعني ومازالت المعنى الأول ) .. وذلك في خدمة كل من الدفاع عن الأرض الإسلامية أو تحويل بقية العالم إلى الإسلام .. وقد كان النبي محمد ( ص) يأمر أبتاعه بحمل الدين الإسلامي أو الإيمان لكل العالم .. فإما يتبنى الدين الإسلامي أو يذعن للقاعدة الإسلامية والقانون الإسلامي .

ويتعقب لويس بشكل أنيق وباختصار الأزمة التي تحاصر العالم الإسلامي .. وبشكل خاص في الشرق الأوسط ويشرح بجدية كيف أنه إذا كان زعماء القاعدة يستطيعون إقناع أو استمالة أو إغراء العالم الإسلامي لقبول وجهات نظرهم وقياداتهم فإن كفاح طويل ومرير سيكون أمامهم .

كما أن ابن لادن قد اكتسب عباءة الاحترام من بعض أقسام رئيسية في العالم الإسلامي لأن زعماء شرق أوسطيون آخرون بدو وكأنهم معرضون للظنون والشكوك في المقابل وجدت فيه مؤيديه الرجل الشريف والعفيف والشجاع .. لذلك السبب تعتبر القاعدة من وجهة نظره ليست منظمة إرهابية فقط ولكنها أيضا تمثل ضمن أشياء تعمل على تقريب حركة جماهيرية مشتركة نحو وجهة نظر بن لادن العريضة .. والتي ترى في الغرب عدوا حقيقيا للإسلام .

ويرى الكاتب أن شيئا واحدا يمكن أن يكون فيه الأمل وهو إدارة السياسة الأمريكية في العراق .. أثناء الحرب وبعدها ..وسوف يساعد على إيصال وجهة النظر تلك .

كما أن لويس يسلط الضوء وبشدة على الشرق الأوسط .. تلك المنطقة القلقة ولمعقدة لتحديد مكان أصول الشعور المعادي لأمريكا والأمريكان .

كما يحاول رسم خريطة لتاريخ القلق الإسلامي نحو الغرب منذ وقت الحملات الصليبية أثناء الإمبريالية الأوروبية .. ويوضح كيف أن وجود أمريكا المتزايد في المنطقة منذ الحرب الباردة فسر على أنه محاولة جديدة من الإمبريالية.

وفي الإسلام السياسي والدين أشياء معقدة وحساسة .. وأتباع الدين الإسلامي يمتلكون معرفة حادة من تاريخهم يعود إلى تاريخ النبي محمد ( ص ) .. هنا نجد أن لويس يعاود قراءة هذا التسلسل الزمني منذ بدايات الإسلام حتى الآن .. وقد كان في كتابه السابق والأكثر رواجا ( ما حدث من خطأ ) قادرا على تحري المسائل الرئيسية بشكل مقنع .. مثل لماذا لقبت الولايات المتحدة ب ( الشيطان الأكبر ) ولقبت إسرائيل ب( الشيطان الأصغر ).. وكيف تجذرت التطرفية أو الأصولية الإسلامية أو الاتجاهات المتطرفة الإسلامية نجحت في حجب القيم السلمية الأساسية في العقيدة الإسلامية ؟

من هنا يحاول لويس أن يعطي تأثير الثورة الإيرانية والتدابير السياسية الخارجية الأمريكية نحو هذه الثورة .. والتأثير السوفييتي في المنطقة ونتائج التحديث على أن أحداث 11 سبتمبر قد دفعت إلى نشر الكثير من المقالات والكتب التي لا تحصى أو تعد لتوضيح كيف أن بعض التفسيرات الأساسية أدت إلى ارتفاع الجماعات الإرهابية في العالم الإسلامي . في هذا الكتاب " أزمة الإسلام " نجد أن المؤرخ والكاتب لويس يواصل المناقشة حول طبيعة الإسلام ويتضمن الفهم السياسي الإسلامي نحو الغرب .. كما أنه يواصل مناقشة المواضيع التي كانت قد غطت الطول الأكبر من مؤلفه الأخير " ما حصل من خطأ " التأثير الغربي ورد الفعل الشرق أوسطي .. كما أنه يحاول تغطية الجذور التاريخية للتذمر المعاصر في العالم الإسلامي ودور السعودية العربية في الراديكالية أو الأصولية الإسلامية ( الإسلام الأصولي ) وكيف تشكلت ردود فعل أو شكاوى المسلمين الأصوليين ضد الغرب وحلفائهم اللاحقين أو التابعين .

ترجمة أمل فؤاد عبيد

إرسال تعليق

0 تعليقات